يُعد اضطراب الشخصية التجنبية، أو ما يُعرف أيضًا باضطراب الشخصية الاجتنابية (بالإنجليزية: Avoidant Personality Disorder)، أحد الاضطرابات النفسية التي تتميز بالخجل الشديد والانطواء، إلى جانب الميل لتجنب العلاقات الاجتماعية نتيجة الخوف العميق من الرفض أو النقد، والشعور المستمر بالنقص وضعف الكفاءة الذاتية.
الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب غالبًا ما تكون لديهم حساسية مفرطة تجاه تقييم الآخرين، ويشعرون بالقلق حيال تقبلهم اجتماعيًا. هذا الأمر قد ينعكس سلبًا على حياتهم اليومية، فيُفضّلون العزلة وقد يرفضون فرصًا مهمة، مثل حضور مقابلات العمل أو الانخراط في أنشطة جماعية أو مهنية، خوفًا من الإحراج أو الانتقاد.
في هذا المقال يستعرض الدكتور أحمد دبور أبرز صفات الشخصية التجنبية، وأسبابها المحتملة، وتأثيرها على الحياة اليومية، بالإضافة إلى طرق التعامل معها.
الخوف المفرط من الرفض
واحدة من السمات الأكثر وضوحًا في الشخصية التجنبية هي الخوف الشديد من الرفض أو الانتقاد. فالشخص الذي يعاني من هذه السمة يتجنب المواقف الاجتماعية أو المهنية التي قد تعرضه لأي نوع من النقد، حتى لو كان نقدًا بنّاءً.
هذا الخوف لا يكون مؤقتًا أو ناتجًا عن موقف معين، بل هو شعور دائم يصاحب الفرد في مختلف مراحل حياته. وقد يؤدي ذلك إلى تجنب الفرص التي يمكن أن تؤدي إلى النجاح خوفًا من الفشل أو الرفض.
اقرأ أيضَا: كيف أعرف أني أحتاج طبيب نفسي؟
الحساسية المفرطة تجاه النقد
يميل الشخص ذو الشخصية التجنبية إلى تفسير أبسط التعليقات على أنها هجوم شخصي. فهو يتأثر بشدة بأي ملاحظة، حتى لو لم تكن موجهة له بطريقة سلبية. هذا النوع من الحساسية يجعل التواصل مع الآخرين أمرًا مرهقًا، ويزيد من عزلته الاجتماعية. كما قد يشعر بالذنب أو الخجل لفترة طويلة بعد أي موقف يعتقد أنه أخطأ فيه، حتى وإن كان الموقف بسيطًا أو غير مهم.
قلة الثقة بالنفس
تعاني الشخصية التجنبية من انخفاض كبير في تقدير الذات، فصاحب هذه الشخصية غالبًا ما يرى نفسه غير جدير بالمحبة أو غير كفء. وقد يشعر أن الآخرين لا يرغبون في قربه أو أنه غير مرحب به. هذه النظرة السلبية تجاه الذات تُعد من الأسباب الرئيسية وراء التجنب المستمر للعلاقات الاجتماعية، خاصة تلك التي تتطلب تفاعلًا أو مشاركة شخصية.
الانعزال الاجتماعي
يفضل أصحاب الشخصية التجنبية الوحدة والعزلة، ليس لأنهم لا يحبون الآخرين، بل لأنهم يخافون من التفاعل معهم. فهم يتجنبون حضور المناسبات الاجتماعية أو تكوين صداقات جديدة، ويكتفون بعدد محدود جدًا من العلاقات، وغالبًا ما تكون هذه العلاقات مع أشخاص مقربين للغاية ويشعرون معهم بالأمان. هذا الانعزال يمكن أن يؤدي مع الوقت إلى شعور عميق بالوحدة والاكتئاب.
التردد في خوض تجارب جديدة
من صفات الشخصية التجنبية التردد والخوف من تجربة أي شيء جديد. فهم يتجنبون الوظائف أو النشاطات التي تتطلب تواصلًا مباشرًا مع الآخرين، أو تلك التي تستلزم مجهودًا نفسيًا، كاتخاذ قرارات حاسمة أو التعامل مع الغرباء. هذا الخوف يحدّ من قدرتهم على التطور الشخصي أو المهني، ويجعلهم في دائرة مغلقة يصعب الخروج منها.
الشعور بالقلق خلال التفاعل مع الآخرين
يميل الأفراد المصابون باضطراب الشخصية التجنبية إلى الشعور بقلق كبير في المواقف الاجتماعية أو المهنية. فهم عادةً ما يتفادون المشاركة في النقاشات أو بدء الحديث مع أشخاص لا يعرفونهم، ويفضلون البقاء في الظل بدلاً من لفت الانتباه إليهم، نتيجة شعور دائم بعدم الراحة أو الحرج عند التواجد في دائرة الضوء.
الرغبة في العلاقات مقابل الخوف منها
ما يميز الشخصية التجنبية عن غيرها من الشخصيات الانطوائية هو التناقض الداخلي. فالشخص التجنبي يرغب بشدة في إقامة علاقات اجتماعية وشعور بالانتماء، لكنه في الوقت ذاته يخشى أن يكون مرفوضًا أو غير مقبول.
هذا التناقض يولّد معاناة نفسية كبيرة، حيث يجد نفسه دائمًا ممزقًا بين الرغبة في التواصل، والرغبة في حماية نفسه من الألم العاطفي.
أسباب تكون الشخصية التجنبية
لا توجد أسباب واحدة ومحددة لتكوّن هذه الشخصية، ولكن هناك مجموعة من العوامل النفسية والبيئية التي قد تلعب دورًا، ومنها:
- تجارب الطفولة السلبية: مثل التعرض للتنمر أو الإهمال.
- البيئة الأسرية القاسية: التي تعتمد على الانتقاد المستمر.
- عوامل وراثية وبيولوجية: تؤثر على كيمياء الدماغ وطريقة التفكير.
- الإصابة المبكرة بالقلق الاجتماعي: والذي قد يتطور مع الوقت إلى نمط شخصية تجنبية.
كيف يمكن التعامل مع الشخصية التجنبية؟
يُمكنك التخلص من الشخصية التجنبية من خلال اتباع الاستراتيجيات التالية:
واجه مخاوفك الاجتماعية تدريجيًا
لا تنتظر أن يزول القلق قبل أن تبدأ. جرّب موقفًا اجتماعيًا بسيطًا، مثل:
- طرح سؤال على زميل
- شارك برأيك في محادثة قصيرة
اكتب مخاوفك وقم بالرد عليها
مثلًا: “سيرفضونني لأنني ممل”، ثم قم بالرد بطريقة أكثر إيجابية مثل: ليس كل الناس يبحثون عن التسلية، البعض يقدّر الهدوء والصدق.
طوّر مهاراتك الاجتماعية بالتدريب لا بالتجنب
تعلم كيف تبدأ محادثة، كيف تستمع بفعالية، كيف تنهي اللقاء بلطافة، فهذه مهارات تُكتسب، وليست موهبة يولد بها الناس.
اعمل على تحسين صورتك الذاتية
قد ترى نفسك عادًة أقل من الآخرين. درّب نفسك على:
- التركيز على نقاط قوتك
- تذكير نفسك بإنجازاتك
- قبول فكرة أنك لا تحتاج أن تكون “مثاليًا” لتكون محبوبًا
اطلب الدعم النفسي من مختص
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو الأكثر فعالية في علاج الشخصية التجنبية، لأنه:
- يساعدك على فهم جذور المشكلة
- يعلّمك كيف تكسر التفكير السلبي
- يدرّبك على مواجهة المواقف الصعبة بشكل صحيح.
انخرط في أنشطة جماعية تحبها
مثل: التطوع، النوادي، أو حضور دورات متعددة، فـ الاندماج التدريجي يساعدك على بناء علاقات دون ضغط مباشر.
راقب تقدّمك وسجّل إنجازاتك
خصص دفترًا تكتب فيه المواقف التي خضتها، كيف شعرت، وماذا تعلمت. هذا يزيد وعيك بنفسك ويمنحك الدافع للاستمرار.
References:
- Avoidant personality disorder. (2025b, January 24). Cleveland Clinic. https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/9761-avoidant-personality-disorder
Quilty, S. (2023, October 12). Avoidant personality disorder. WebMD. https://www.webmd.com/mental-health/avoidant-personality-disorders