متلازمة المحتال، أو ما يُعرف أيضًا بظاهرة المحتال، هي نمط نفسي يتصف بشعور مستمر بعدم الكفاءة والشك في الإنجازات الشخصية، على الرغم من وجود أدلة واضحة على النجاح.
الأشخاص الذين يعانون من هذه المتلازمة غالبًا ما يعتقدون أنهم لا يستحقون التقدير أو الإنجاز الذي وصلوا إليه، ويرجعون نجاحهم إلى الحظ أو إلى مساعدة الآخرين، وليس إلى قدراتهم أو جهودهم الذاتية.
يشعرون وكأنهم “محتالون” سينكشفون في أي لحظة، وهو ما يؤدي إلى القلق والتوتر المستمر. تؤثر متلازمة المحتال على الأفراد من جميع الأعمار والخلفيات، وغالبًا ما تظهر في البيئات الأكاديمية أو المهنية عالية الأداء.
أعراض متلازمة المحتال
تتنوع أعراض متلازمة المحتال من شخص لآخر، لكنها تشترك في مجموعة من الأفكار والسلوكيات السلبية المرتبطة بتقدير الذات. من أبرز الأعراض:
- الشك المستمر في الكفاءة الذاتية حتى مع وجود إنجازات ملموسة
- الشعور بعدم الاستحقاق، وأن النجاح ليس ناتجًا عن الجدارة
- الخوف الدائم من الفشل أو ارتكاب الأخطاء
- رفض الإطراء أو التقليل من قيمة الإنجازات الشخصية
- القلق والتوتر المستمر بسبب الخوف من “الانكشاف”
- الكمالية الزائدة أو المبالغة في العمل لتعويض الشعور بالنقص
- تجنب التحديات خوفًا من الفشل أو من كشف “الحقيقة”
في بعض الحالات، قد يؤدي هذا الشعور المزمن بالنقص إلى الاكتئاب أو الانهاك الذهني والجسدي، ويؤثر سلبًا على جودة الحياة الشخصية والمهنية.
أسباب متلازمة المحتال
لا يوجد سبب واحد محدد لمتلازمة المحتال، ولكنها عادة ما تنشأ من تفاعل مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية. من بين الأسباب المحتملة:
- التنشئة الأسرية: قد ينشأ الشعور بعدم الكفاءة في بيئة أسرية تُكثر من المقارنة بين الإخوة، أو تضع توقعات عالية جدًا.
- الشخصية الكمالية: الأشخاص الذين يسعون دائمًا إلى المثالية والكمال هم أكثر عرضة لتطوير هذه المتلازمة، لأنهم يرون أي تقصير كدليل على عدم الكفاءة.
- التجارب السابقة: الفشل في وقت مبكر من الحياة أو التعرض للنقد المستمر يمكن أن يرسّخ شعورًا بعدم الجدارة.
- البيئة المحيطة: العمل أو الدراسة في بيئات تنافسية، أو تلك التي تفتقر إلى التقدير، يمكن أن تعزز من شعور الشخص بأنه لا يستحق المكانة التي وصل إليها.
- التمييز أو العزلة: الأشخاص من خلفيات ثقافية أو اجتماعية أو عرقية مختلفة عن الغالبية في محيطهم، قد يشعرون بأنهم “دخلاء”، مما يعزز شعورهم بأنهم محتالون.
تشخيص متلازمة المحتال
متلازمة المحتال ليست اضطرابًا نفسيًا مُدرجًا رسميًا في الدلائل التشخيصية مثل DSM-5، ولكن يمكن التعرف عليها من خلال التقييم النفسي والسلوكي. لا توجد فحوصات طبية أو اختبارات مخبرية محددة، ويعتمد التشخيص على:
- المقابلات النفسية مع المعالج أو الأخصائي النفسي
- استخدام مقاييس نفسية مثل “مقياس متلازمة المحتال” (Clance IP Scale)، الذي يقيم شدة الشعور بهذه الظاهرة
- استبعاد الاضطرابات الأخرى مثل القلق العام أو الاكتئاب، التي قد تتداخل مع الأعراض
من المهم أن يتم التشخيص على يد مختصين مؤهلين، لأن بعض الأعراض قد تكون ناتجة عن حالات نفسية أخرى تتطلب تدخلًا مختلفًا.
علاج متلازمة المحتال
لا يوجد علاج واحد يناسب جميع الحالات، ولكن العلاج يهدف إلى تعديل أنماط التفكير السلبية وتعزيز تقدير الذات. من أبرز أساليب العلاج:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يُعتبر من أكثر الطرق فعالية، حيث يساعد على التعرف إلى الأفكار غير المنطقية واستبدالها بأفكار واقعية وصحية.
- العلاج بالكلام (Psychotherapy): الجلسات مع معالج نفسي تتيح للشخص التعبير عن مشاعره واستكشاف أسباب شعوره بعدم الجدارة.
- المجموعات الداعمة: التحدث مع آخرين يعانون من نفس الظاهرة يمكن أن يقلل من الشعور بالعزلة، ويساعد في بناء الثقة.
- تقنيات الوعي الذاتي (Mindfulness): تساعد في التركيز على اللحظة الحالية وتجنب التفكير المفرط في الأخطاء أو المستقبل.
- التدريب على الثقة بالنفس: تعلم تقنيات إدارة القلق، والتفكير الإيجابي، والاعتراف بالإنجازات الشخصية بشكل موضوعي.
كذلك، من المهم خلق بيئة داعمة سواء في العمل أو في الحياة الشخصية، تُشجع على الاعتراف بالنجاح، وتقلل من المقارنات غير الواقعية.
هل متلازمة المحتال شائعة؟
نعم، تُعد هذه الظاهرة شائعة أكثر مما يُعتقد. تُظهر الدراسات أن ما يصل إلى 70% من الناس قد مرّوا بتجربة شعور “المحتال” في مرحلة ما من حياتهم، وخاصةً خلال الانتقال إلى مرحلة جديدة، مثل وظيفة مرموقة، أو قبول في جامعة مرموقة، أو تولي مسؤوليات كبيرة. ولا تقتصر على المبتدئين، بل تصيب أيضًا محترفين ذوي خبرة، وحتى بعض المشاهير وقادة الرأي.
اقرأ أيضًا: كيف يفكر مريض الذهان؟
خلاصة
متلازمة المحتال هي تجربة نفسية معقدة يشعر فيها الأفراد بأنهم لا يستحقون نجاحهم، رغم وجود دليل واضح على كفاءتهم. وهي حالة يمكن إدارتها بفعالية من خلال العلاج المناسب، والدعم النفسي، والعمل على بناء الثقة بالنفس. الاعتراف بهذه المشاعر والتحدث عنها بصراحة هو الخطوة الأولى نحو التحرر منها واستعادة الإيمان بالذات.
المراجع: