متى تكون الغيرة مرض؟

الغيرة

الغيرة هو شعور طبيعي يحدث بين الأفراد في العلاقات المختلفة، سواء كانت عائلية، عاطفية، أو حتى في الصداقات.

لكنها، كغيرها من المشاعر، قد تتحول إلى حالة مرضية عندما تتجاوز حدودها الطبيعية وتبدأ في التأثير سلبًا على حياة الشخص وعلاقاته. 

تعتبر الغيرة المرضية اضطرابًا نفسيًا يتسم بالشك المفرط، والقلق المستمر، ومحاولة السيطرة على الآخر، مما يمكن أن يؤدي إلى تدهور الثقة وانهيار العلاقات. 

في هذا المقال، يوضح الدكتور أحمد دبور أخصائي الطب النفسي متى تتحول الغيرة من شعور طبيعي إلى مرض يحتاج إلى تدخل وعلاج، والعلامات التي يجب الانتباه إليها لتمييز الغيرة المرضية.

متى تكون الغيرة مرض؟

الغيرة المرضية هي حالة نفسية يتجاوز فيها شعور الغيرة الحدود الطبيعية. تتحول الغيرة إلى هوس شديد وغير مبرر تجاه الشريك أو الأشخاص المحيطين.

في هذه الحالة، تصبح الغيرة غير مرتبطة بالواقع. تستند إلى شكوك وأفكار غير منطقية، مما يؤثر سلبًا على حياة الشخص وعلاقاته.

وتصبح الغيرة مرضًا نفسيًا عندما تؤثر سلبًا على حياة الشخص وعلاقاته. فهذا يؤدي ذلك إلى تدهور العلاقات بشكل كبير.

متى تكون الغيرة طبيعية ومتى تكون مرضية؟

غالبًا ما تكون الغيرة شعورًا طبيعيًا ومؤقتًا يحدث في أي علاقة عندما يشعر الشخص بتهديد لعلاقته أو مكانته. هذه الغيرة تكون غالبًا قصيرة الأمد وغير مدمرة.

ولكن عندما تصبح الغيرة مفرطة ومستدامة وتؤدي إلى تصرفات غير عقلانية، يمكن أن تتحول إلى حالة مرضية. 

ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الغيرة المرضية؟

الغيرة المرضية هي حالة نفسية معقدة تنشأ نتيجة تفاعل عدة عوامل نفسية واجتماعية، ويمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في العلاقات والتسبب في مشاعر عدم الأمان والقلق المفرط. 

إليك أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى تطور هذه الحالة المرضية:

ضعف الثقة بالنفس

الأفراد الذين يعانون من تدني احترام الذات وضعف الثقة بالنفس قد يشعرون بعدم الاستحقاق للحب والاهتمام. هذا يعزز شعورهم بالغيرة.

بعض الأشخاص يشعرون بالخوف من فقدان الشريك. ينشأ هذا الخوف من شعور بعدم الكفاءة أو القلق من أن يجد الشريك شخصًا أفضل.

تجارب سابقة مؤلمة

التعرض للخيانة في علاقات سابقة يمكن أن يترك ندوبًا نفسية تؤدي إلى الغيرة المرضية في العلاقات اللاحقة.

كذلك الفشل في علاقات سابقة قد يؤدي إلى زيادة الحذر والشك في العلاقات الجديدة، مما يعزز مشاعر الغيرة.

أنماط التفكير السلبية

الأشخاص الذين يميلون إلى التفكير الزائد والتحليل المفرط للأحداث قد يفسرون تصرفات الشريك بطريقة سلبية، مما يؤدي إلى هذه الحالة، بالإضافة إلى أن بعض الأفراد يكون لديهم ميل إلى الشعور بالتهديد حتى من المواقف الطبيعية وغير الضارة، مما يزيد من هذه المشاعر.

التعلق غير الآمن يسبب الغيرة

بعض الأفراد يتطور لديهم نمط تعلق غير آمن نتيجة علاقات طفولية غير مستقرة، مما يجعلهم يشعرون بالقلق المستمر حيال استقرار علاقاتهم.

بالإضافة إلى أن الاعتماد الكامل على الشريك للحصول على السعادة والرضا الشخصي يمكن أن يؤدي إلى مشاعر غيرة مفرطة خوفًا من فقدان هذا المصدر الوحيد للأمان.

التأثيرات الاجتماعية والثقافية

في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، المقارنة المستمرة مع الآخرين ومعايير الجمال والنجاح يمكن أن تؤدي إلى الغيرة المرضية بسبب شعور الشخص بعدم الكفاية.

الاضطرابات النفسية

بعض الاضطرابات النفسية، مثل اضطراب الشخصية الحدية أو النرجسية، قد تؤدي إلى هذه المشكلة نتيجة مشاعر عدم الاستقرار العاطفي أو الحاجة المفرطة للسيطرة.

التربية والبيئة الأسرية

الأطفال الذين نشأوا في بيئة مليئة بالغيرة أو الصراع قد يتبنون هذه السلوكيات في علاقاتهم.

اقرأ أيضًا: الوسواس القهري

علامات تدل على الغيرة المرضية

إليك بعض العلامات التي تدل على وجود غيرة مرضية:

الشك المستمر وغير المبرر

الشخص المصاب بالغيرة المرضية يشك في شريكه بشكل مفرط، حتى في غياب أي دليل حقيقي. يمكن أن يشمل ذلك اتهامات بالخيانة أو عدم الإخلاص بناءً على أحداث أو تصرفات بريئة.

التحكم والسيطرة بسبب الغيرة

يميل الشخص إلى محاولة التحكم الكامل في حياة شريكه، بما في ذلك من يلتقي، أين يذهب، وما يفعله. يمكن أن يصل الأمر إلى حد منع الشريك من رؤية أصدقائه أو عائلته.

التفتيش والتجسس

قد يقوم الشخص الغيور بتفتيش هاتف الشريك، حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، أو بريده الإلكتروني دون إذنه، بحثًا عن أي دليل يدعم شكوكه.

القلق والتوتر المفرط

يشعر الشخص بالقلق الدائم والتوتر بشأن علاقة شريكه مع الآخرين، ويخشى باستمرار من أن يتم التخلي عنه أو خيانته.

بالإضافة إلى أن الغيرة قد تتسبب في فقدان الثقة بين الشريكين، فالشخص المصاب لا يستطيع الوثوق بشريكه بغض النظر عن مدى التطمينات التي يتلقاها.

التفكير المفرط والتحليل السلبي

يقوم الشخص بتفسير كل كلمة أو تصرف يقوم به الشريك بشكل سلبي، ويقوم بالتحليل المفرط للأحداث بحثًا عن أدلة على الخيانة أو الإهمال.

الانعزال الاجتماعي

الشخص المصاب بالغيرة المرضية قد يحاول عزل شريكه عن الأصدقاء أو العائلة، بدافع الخوف من أن يتم استبداله أو أن يكون شريكه مهتمًا بشخص آخر.

السلوك العدواني

يمكن أن تتطور هذه الحالة المرضية إلى سلوكيات عدوانية، سواء لفظيًا أو جسديًا، نتيجة للشعور المستمر بالتهديد والشك.

الشعور بالإهانة بسهولة

الشخص المصاب قد يشعر بالإهانة بسهولة عند تلقي أي اهتمام أو مجاملة موجهة لشريكه من الآخرين، حتى لو كانت تلك المواقف غير ضارة.

وفي بعض الحالات الشديدة، قد يقوم الشخص بتصرفات تدميرية للعلاقة، مثل محاولة إثارة المشاكل أو الاختلاق المتعمد للمواقف لجعل الشريك يشعر بالذنب.

اقرأ أيضًا: الحديث الإيجابي وتأثيره على الصحة النفسية

كيف يتم علاج الغيرة المرضية؟

يمكن أن تشمل العلاجات ما يلي:

العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يعمل الطبيب مع الشخص على تحديد وتغيير الأفكار والمعتقدات غير المنطقية التي تقود إلى الغيرة المرضية، يساعد ذلك في تقليل الشكوك والتحكم في ردود الفعل العاطفية.

بالإضافة إلى أنه يتم تعليم الشخص استراتيجيات جديدة للتعامل مع المشاعر السلبية مثل الغضب والقلق المرتبطين بالغيرة، مما يساعد على تحسين الاستجابة العاطفية في المواقف المختلفة.

العلاج النفسي الفردي

يساعد هذا العلاج الشخص على اكتشاف الأسباب الجذرية للغيرة المرضية، مثل تجارب الخيانة السابقة أو مشاكل الثقة المتجذرة في الطفولة.

وبالتالي يتم العمل على تحسين صورة الشخص عن نفسه وتعزيز الثقة بالنفس، مما يقلل من الاعتماد على الآخرين للتحقق من قيمته الذاتية.

العلاج الزوجي أو العائلي للتخلص من الغيرة

يساعد هذا النوع من العلاج الأزواج أو أفراد العائلة على تحسين التواصل وفهم مشاعر بعضهم البعض، مما يقلل من سوء الفهم ويعزز الثقة المتبادلة.

بينما يساعد العلاج الزوجي في إعادة بناء الثقة بين الشريكين، من خلال التعامل مع مخاوف الشخص المصاب بالغيرة وتقديم الدعم المناسب من الطرف الآخر.

العلاج الدوائي

قد يوصي الطبيب في بعض الأحيان للحد من القلق الشديد الذي يمكن أن يكون مرتبطًا بالغيرة المرضية بمضادات الاكتئاب أو مضادات القلق.

في النهاية، تعتبر الغيرة المرضية مشكلة نفسية جدية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على العلاقات الشخصية والحياة اليومية. إذا تركت دون علاج، قد تؤدي هذه الغيرة إلى تفاقم المشاكل العاطفية وزيادة التوتر بين الشريكين أو أفراد العائلة. 

من المهم أن يدرك الشخص المصاب بهذه الحالة أن الحلول متاحة، وأن السعي للحصول على الدعم النفسي المناسب يمكن أن يساهم بشكل كبير في التغلب على هذه المشكلة وتحقيق توازن نفسي وعاطفي. 

المصادر:

  1. Pathological Jealousy in Borderline Personality Disorder. (n.d.). Psychology Today. https://www.psychologytoday.com/us/blog/from-freud-to-fluoxetine/202310/pathological-jealousy-in-borderline-personality-disorder
  2. Kingham, M., & Gordon, H. (2004). Aspects of morbid jealousy. Advances in Psychiatric Treatment, 10(3), 207–215. https://doi.org/10.1192/apt.10.3.207
  3. Morbid jealousy: Causes, risk factors, symptoms, treatment. (n.d.). https://continentalhospitals.com/diseases/morbid-jealousy/
Tags: No tags

Comments are closed.