العلاج بالتعرض هو أحد أنواع العلاج النفسي يهدُف لمساعدة الأشخاص على التغلب على القلق والخوف. تعتمد فكرته ببساطة على مبدأ أن الخوف يقل مع التكرار، أي كلما تعرض الشخص لمصدر القلق بشكل تدريجي ومتكرر، قلّ تأثيره عليه.
تخيل مثلًا أنك تشعر بالقلق الشديد من التحدث أمام جمهور. في البداية قد تتجنب المواقف التي تتطلب منك الكلام أمام الآخرين، لكن مع التدريب والظهور أمام مجموعات صغيرة، ثم أكبر فأكبر، يبدأ هذا الخوف بالانخفاض تدريجيًا.
كيف يعمل العلاج بالتعرض؟
عندما نتجنب المواقف التي تُشعرنا بالخوف، نحن في الواقع نُبقي المشكلة قائمة. العلاج بالتعرض يعمل على كسر دائرة التجنب هذه. عند التعرض المتكرر للموقف المثير للقلق — سواء كان مشهدًا، فكرة، أو مكانًا — في بيئة آمنة وتحت إشراف مختص، يبدأ الدماغ بالتكيف ويصبح أقل استجابة لهذا الخوف، وهي عملية تُعرف باسم إزالة التحسس.
ومع مرور الوقت، تتراجع الاستجابة الفسيولوجية والنفسية للموقف المخيف، ويشعر الشخص بتحسن ملحوظ.
ما الهدف من العلاج بالتعرض؟
الهدف هو تقليل القلق بشكل تدريجي وتمكين الشخص من التعامل مع المواقف التي كانت تسبب له انزعاجًا أو خوفًا شديدًا. ويتم ذلك من خلال:
- التعرف على المحفزات التي تسبب القلق.
- التوقف عن استخدام سلوكيات التجنب أو “الحماية”.
- بناء سلسلة من التمارين التي تشمل التعرض التدريجي لهذه المحفزات.
ومع كل تجربة، تقل شدة القلق، ويكتسب الشخص ثقة أكبر في قدرته على التحكم.
ما هي أبرز تقنيات العلاج بالتعرض؟
يُطبق الأطباء النفسيون العلاج بالتعرض بوسائل متعددة، تختلف بحسب نوع الخوف وشدة القلق لدى المريض. وفيما يلي إحدى الطرق الأساسية التي تُستخدم في هذا النوع من العلاج:
التعرض المباشر
ويسمى أيضًا “التعرض الواقعي”، ويُعد من أكثر الأساليب فاعلية. في هذا النوع من العلاج، يُطلب من الشخص مواجهة مصدر خوفه بشكل مباشر في بيئة آمنة وتحت إشراف طبيب نفسي.
الفكرة هنا هي أن التفاعل الواقعي مع الشيء أو الموقف المقلق، من دون استخدام سلوكيات الهروب أو التجنب، يؤدي تدريجيًا إلى تراجع مشاعر الخوف.
مثال: لنفترض أن شخصًا ما يعاني من قلق شديد عند دخول المصاعد، ربما نتيجة تجربة سابقة أو مجرد خوف من الأماكن المغلقة
في العلاج بالتعرض المباشر، يمكن للطبيب أن يبدأ بجلسة يتحدث فيها المريض عن مخاوفه، ثم يُطلب منه الوقوف قرب المصعد دون استخدامه، وبعد ذلك ركوبه برفقة الطبيب ثم تدريجيًا لوحده. كل خطوة تهدف إلى تعويد الدماغ على الموقف وتقليل الإحساس بالخطر المرتبط به.
بمرور الوقت، يتعلم الشخص أن بإمكانه ركوب المصعد دون أن يحدث له مكروه، مما يُقلل من شدة القلق ويزيد من ثقته بقدرته على التحكم في مخاوفه.
التعرض التخيلي
في هذا النوع، يطلب المعالج من الشخص تخيّل الموقف المخيف بدلاً من خوضه فعليًا، مما يسمح بالتعامل مع القلق في بيئة آمنة وخاضعة للسيطرة.
مثال: في حالات اضطراب ما بعد الصدمة، قد يُطلب من المريض استحضار ذكرى مؤلمة بتفاصيلها وتكرارها ذهنيًا، مما يُساعد على تقليل استجابته العاطفية تدريجيًا ويخفف من أعراض القلق المرتبطة بها.
العلاج بالتعرض الداخلي
يركّز هذا النوع من العلاج على إثارة الأعراض الجسدية المرتبطة بالذعر، مثل خفقان القلب أو الدوخة، بشكل مقصود في جلسة آمنة. الهدف هو مساعدة الشخص على التعود على هذه الأحاسيس وفهم أنها مزعجة لكنها غير خطيرة.
يعتبر هذا العلاج مفيدًا لمن يخاف من الأعراض الجسدية نفسها أكثر من المواقف التي تثير الذعر، كما في حالات نوبات الهلع
التعرض عبر الواقع الافتراضي
ويتضمن استخدام تقنيات الواقع الافتراضي لمحاكاة الموقف الذي يسبب القلق للمريض (مثل ركوب طائرة).
العلاج بالتعرض التدريجي
في هذا النوع، يُطلب من الشخص إعداد قائمة بالمواقف أو الأشياء التي تُثير خوفه، ويتم ترتيبها من الأقل إلى الأكثر إثارة للقلق.
يبدأ العلاج بالتعرّض للمواقف البسيطة أولًا، ثم التدرّج نحو المواقف الأصعب. مما يُسهم في بناء الثقة وتقليل الاستجابة القَلِقة مع الوقت.
العلاج بالغمر (الإغراق)
يُعد هذا النوع من العلاج أحد أساليب التعرض التي تعتمد على المواجهة الفورية والمباشرة لأكثر المواقف إثارة للخوف، بدلاً من التدرج التدريجي.
في هذا الأسلوب، يُطلب من الشخص الدخول مباشرة في موقف شديد القلق، دون مقدمات. بهدف كسر حدة الخوف بسرعة وتقليل الاستجابة الانفعالية تجاهه بمرور الوقت.
الحالات النفسية التي يُستخدم فيها العلاج بالتعرض
العلاج بالتعرض يُستخدم بشكل فعّال مع مجموعة من الاضطرابات النفسية التي تتسم بالخوف أو القلق المفرط، وتشمل:
- جميع أنواع الفوبيا (الرهاب)
- اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
- اضطراب القلق العام
- اضطراب الوسواس القهري (OCD)
- نوبات الهلع
- اضطراب القلق الاجتماعي
هذا النهج العلاجي يهدف إلى تقليل الحساسية تجاه المحفزات المخيفة وتحسين قدرة الفرد على التعامل مع المواقف الصعبة بثقة وهدوء.
المراجع: